سامي يوسف. . غناء من أجل الحياة
سامي يوسف
ما الجديد الذي يقدمه سامي يوسف في ألبومه الجديد My ummah؟ وأين يمكن تسكين نوعية غنائه وسط هذا المحيط الهادر من الأغنيات التي تملأ كل وسائل الإعلام، سواء كانت مسموعة أم مصورة؟ وهل يعد سامي يوسف نفسُه ظاهرة أم (موضة)؟
هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى أن نقترب منها، من خلال الألبوم الجديد ذاته، سواء على مستوى الكلمات أو الألحان أو حتى من الدليل الصغير المرفق بشريط الكاسيت.
منشد أم مغن؟
فعلى الرغم من أن الكثير من مواقع الإنترنت تقدمه على أنه "المنشد الديني" بسبب ما احتواه ألبومه الأول "المعلم" من أغنيات المديح والإنشاد الديني في قالب عصري، فإن الكثيرين يرون أنه مطرب يقدم غناء حديثا ذا طابع ديني، يتماشى تماما مع الموجة الجديدة من الدعاة الجدد، ومع أفكار من نوع إسلام من أجل الحياة.
وقد أصدر ألبومه الثاني منذ فترة قليلة في شكلين هما الأسطوانة المضغوطة CD، والكاسيت كما يحدث الآن مع كل المطربين، ويحتوي الألبوم على 10 أغنيات بعضها باللغة الإنجليزية وحدها، وبعضها تمتزج فيه أكثر من لغة، وبعضها عربية خالصة.
يقول سامي يوسف في الورقة الملحقة بألبومه، والتي بدأها بجملة "الله جميل يحب الجمال": "إن الفن الإسلامي، سواء تجلى في علم الخط، أو في فن الخزف، أو في الموسيقى فهو مستلهم من الحب والجمال الإلهيين. إن الموسيقى عطية من الله، فهي أداة يمكن أن تستخدم، لكنها أيضا – وكما يحدث غالبا – لا تستخدم بالفعل.
إن كل الأقطار الإسلامية تقريبا لديها تاريخ ثري من الموسيقى الروحية الإسلامية، ولكل منها صوته ومذاقه المميزان له. ولكن، ولسوء الحظ، ولأسباب عدة، فإن هذا الميراث، في طريقه إلى الزوال منذ فترة. إنها نيتي الخالصة أن يكون هذا الألبوم واحدا من المساعي الفنية التي آلت على نفسها أن تصوغ ثقافة (إنجليزية – إسلامية) أو (غربية – إسلامية)"
الموسيقى حوار حضاري
إذن لقد قرر سامي يوسف أن يعب من نهر الموسيقى الموجودة في العالم الإسلامي، وأن يقرب بها بين الحضارتين الإسلامية والغربية، كما يقول، ولعلنا نجد هذا الأمر واضحا في أغنيته Muhammad، التي أهداها إلى أطفال "بيسلان بروسيا" الأبرياء والتي تبدأ بمؤثر صوتي قوي ينقلك فورا إلى الحالة النفسية والفنية للأغنية، فظهرت طلقات الرشاش واضحة، ثم جاءت الموسيقى شرقية شجية أساسها الناي والكمان والطبلة.
وقد جاءت كلمات الأغنية كواحدة من أدوات توصيل حقيقة التعاليم الإسلامية التي حملها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى العالم، والتي تنبذ العنف والقتل، وتدعو إلى الإخاء والمساواة. ورغم ترديد سامي يوسف لجمل (محمد يا رسول الله، محمد يا شفيع الله، محمد يا بشير الله) والتي استقرت في أذهاننا على أنها نوع من المديح، فإن وجود هذه الجمل – التي نطقها بالعربية – كان في محله ليخدم بذلك قضيته التي عبر عنها بالأغنية، والتي خرجت من إطار المديح التقليدي إلى إطار الغناء الذي يحمل هدفا وقضية.
حسبي ربي..
شريط My ummah
كما نجد هدفه واضحا أيضا في أغنية (حسبي ربي) التي أثارت جدلا لاحتوائها على موسيقى تكاد تكون راقصة، هذه الموسيقى، وكما يشار إليها في غلاف الألبوم من التراث الفلكلوري الأفغاني، وهو الأمر الذي لا يخلو من إشارة أو تذكير بهذا البلد الإسلامي المنكوب، كما أنه يحمل إشارة إلى وجود (فن وتراث) في أفغانستان، يمكن استخدامه في قضية الألبوم في الأساس، وهي إظهار الوجه الحقيقي للإسلام في التسامح والسلام، وذكر سامي يوسف نفسه، أنه يتمنى أن يصبح هذا الألبوم طريقا مختصرا نحو الهدف، وأنه يصلي من أجل ذلك.
والجدير بالذكر أن سامي يوسف قد غنى أغنية (حسبي ربي) بأربع لغات هي الإنجليزية والهندية والتركية والعربية.
ولم يكتف سامي يوسف بالفلكلور الأفغاني، بل إنه قد توسع في استخدام موسيقات مختلفة مثل موسيقى أغاني الزنوج الأمريكيين، في أغنيته Try not to cry، وقد غناها بلغتين هما الإنجليزية والأسبانية، والتي كانت أحد أسباب الجدل الدائر حول ارتفاع نسبة الموسيقى الراقصة في هذا الألبوم، ولعله بهذا قد قصد تقريب الأغنية إلى مستمعيه الناطقين بالإنجليزية والمغرمين بهذه النوعية من الموسيقى.
أيها الناس..
وامتدادا لفكرة توصيل القيم الإنسانية التي يحتويها الإسلام بالضرورة إلى العالم كافة، جاءت أغنيته Make a prayer والتي بدأها بقوله (أيها الناس) ولم يخاطب المسلمين وحدهم، كما فعل في أغنيات أخرى مثل My ummah وذلك لأن قضية الأغنية أكثر عمومية، فهي تتحدث عن منكوبي أفريقيا في السودان وإثيوبيا ورواندا.
وكان البيانو هو كل موسيقى هذه الأغنية الشجية التي تتحدث عن ذلك الطفل الذي يبحث عن الحياة والحرية والأمان، وهي من الأغنيات التي أظهرت مساحات صوت سامي يوسف، كما أنها لا تنتمي إلى عقيدة، ولا تدعو إلى دين، وليست مديحا، إنه غناء شجي خالص يتحدث عن الإنسان المتألم... بالإنجليزية، وبالبيانو.
ومن الشجن والألم، إلى بهجة الاحتفال بالعيد، الذي صدر هذا الألبوم في أعقابه مباشرة، جاءت (أغنية العيد) مليئة بالبهجة من حيث الموسيقى والكلمات التي يسهل حفظها، وخاصة أنها مطعمة بجمل عربية النطق مثل (لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليه صلاة الله)، كما نطق سامي يوسف كلمة العيد بالعربية أيضا امتدادا لفكرته حول مزج الثقافات وتوصيل الفن الذي يحمل الصبغة الإسلامية إلى الغرب، فكما أدخل أطفال الحجارة في الانتفاضة الأولى هذه الكلمة إلى كل لغات العالم دون ترجمة فصارت تكتب وتنطق هكذا Intifada، أدخل سامي يوسف كلمات أخرى مثل (معلم) في حديثه عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ألبومه الأول، وها هو يقدم كلمة أمة دون ترجمتها فالألبوم يحمل عنوان إحدى أغنياته، وربما ذلك جزء من أهداف مشروعه الفني.
الحجاب.. FREE
ولعل من القضايا الشائكة التي يستحيل على المطربين العرب تناولها: مسألة حجاب المرأة المسلمة، فإن سامي يوسف طرح في الألبوم القضية ببساطة من خلال أغنية عنوانهاFree تتحدث بلسان فتاة مسلمة محجبة، استخدم فيها موسيقى خفيفة تذكرنا بالموسيقى الغربية التي انتشرت في سبعينيات القرن الماضي، والتي تعتمد على وجود آلة (الدرامز)،
يقول مطلع الأغنية:
"ما الذي يدور بخلدك
وأنت تجلس هناك محملقا بي؟
حسنا، يمكنني إخبارك من خلال نظراتك
إنك تعتقد أنني مظلومة تماما
لكنني لا أحتاج إليك لكي تحررني"..
مثل هذه القضايا (الإسلامية) إلى جانب فكرة الألبوم الأساسية بالطبع، لا يمكن تناولها إلا بهذا الشكل الغنائي، الذي يريح البعض أنفسهم بتصنيفه في خانة ضيقة هي الإنشاد الديني أو المديح. إن سامي يوسف بهذا الألبوم قد بدأ خطواته الكبيرة نحو الهدف الذي يذكره بوضوح في مقدمة ألبومه، وهو بهذا صاحب مشروع فني ثقافي، يخرج به من إطار الصرعة أو الموضة، ويرسخ لأفكار مستمدة من أكمل رسالة دينية في التاريخ.