* كمبردج «ولاية ماساشوستس الأميركية» : «الشرق الأوسط»
كي تصنع طبقاً من الأومليت عليك أن تكسر بضع بيضات.
خطورة تناول البيض ليست كما كان يُتصور في السابق.
تحاشاه لو أردت، لكن ذلك ليس ضرورياً.
كيف يمكن النظر إلى البيض؟ هل هو مادة مليئة بالمواد التي تسد الشرايين، أم طعام مثالي وغني بالعناصر الغذائية الصحية؟
ولو وضع كل من الخيارين السابقين أمام الناس، وفق الطراز الأميركي، للإدلاء حافلةواتهم على ما يرونه صحيحا، فإن النتائج القائلة بأنه مليء بما يسد الشرايين ستكون هي الأعلى، لكن وبالرغم من هذا التصور السائد فإن القول بإنه طعام مثالي هو أقرب للصواب.
* حقائق وأوهام
* دعونا أولاً، أن لا نخلط الحقائق الصحيحة حول البيض بالاعتقادات الزائفة الشائعة حوله.
* حقيقة: البيضة مصدر جيد للعديد من العناصر الغذائية، ففي مقابل مبلغ يصل الى حوالي 15 سنتاً، تحصل على 6 غرامات من البروتين، وبعض من الدهون غير المشبعة والصحية، وباقة من الفيتامينات والمعادن. هذا بالإضافة إلى أن البيض مصدر جيد لمادة كولين Choline، والتي ترتبط بتحسين الذاكرة والمحافظة عليها. ومادة ليوتين lutein ومادة زيزانثين zeaxanthin، التي تحمي من الإصابة بفقدان قدرات الإبصار.
*حقيقة: البيض فيه الكثير من الكولسترول، إذْ معدل ما في البيضة الواحدة منه هو 212 مليغراما. لكن بالنظر إلى بقية الأطعمة، فهذا قليل بالمقارنة مع حصة غذائية واحدة من الكبد أو الروبيان أو لحم البط.
ـ اعتقاد زائف: كل هذا الكولسترول سيذهب مباشرة إلى الدم، ومن ثم يترسب في جدران الشرايين. والحقيقة ليست كذلك البتة، إذْ لدى الإنسان الطبيعي «وهي نقطة سنأتي عليها لاحقاً» ، جزء قليل فقط من كولسترول الطعام يدخل إلى الدم مباشرة. والكبد هو ما يصنع الغالبية العظمى من الكولسترول الجاري في الدم. والسبب الرئيسي لزيادة إنتاج الكبد للكولسترول هو ما يتناوله الإنسان من الدهون المشبعة والدهون المتحولة. والدراسات الطبية التقليدية التي بُنيت على تجارب تمت بتاريخ عام 1950 والتي قام بها أحد الرواد الباحثين وهو طبيب القلب من هارفارد الدكتور بول ديدلي وايت وزملاؤه قد بينت أن كمية الكولسترول في الطعام ذاته، لها تأثير ضعيف جداً على نسبة الكولسترول في الدم.
ـ اعتقاد زائف: تناول البيض ضار بالقلب. والدراسة الواسعة الوحيدة التي حاولت تفحص تأثير تناول البيض في الإصابة بأمراض الشرايين، وليس نسبة الكولسترول في الدم أو نسبة المواد البينية للكولسترول، وجدت أن لا علاقة البتة بين هذين الأمرين، تناول البيض والإصابة بأمراض الشرايين. وفي هذه الدراسة التي شملت ما يُقارب 120 الف شخص من الذكور والإناث السليمين من الإصابة بأمراض القلب، تبين أن من يتناولون بيضة أو أكثر كل يوم، هم ليسوا أكثر عُرضة للإصابة بجلطة القلب أو جلطة الدماغ أو أنهم سيموتون بسبب أمراض القلب طوال 14 عاماً من المتابعة، كل هذا بالمقارنة مع من يتناولون بيضة أو أقل في الأسبوع. والملاحظة الوحيدة كانت فقط أن من بين مرضى السكري، فإن من يتناولون بيضة كل يوم هم أكثر عُرضة لظهور أمراض القلب بينهم مقارنة بمرضى السكري الآخرين، أي الذين لا يتناولون البيض إلا نادراً.
* سمعة وهيبة
* لقد أصابت سمعة البيض، كطعام جيد، ضربة قوية في الستينات من القرن الماضي. وذلك حينما لاحظ الباحثون أن ثمة رابطاً بين أمراض شرايين القلب وارتفاع نسبة الكولسترول في الدم. وكانت رابطة القلب الأميركية وغيرها من الهيئات الطبية المؤثرة قد وضعت مقياسا لتناول 300 مليغرام من الكولسترول «و200 مليغرام لمن هم مُصابون بأمراض شرايين القلب» في الطعام كأعلى حد مسموح به، وحذرت الأميركيين من تناول صفار البيض.
وكانت هناك مشكلتان كبيرتان لهذه الإرشادات، اذ ان وضع قيمة 300 مليغرام كأعلى حد لكمية الكولسترول المتناولة في الطعام يومياً تم اختيارها دونما سبب علمي محدد، بل بسبب أنها تمثل نصف الكمية المتوسطة للكولسترول اليومي التي كان يتناولها المواطن الأميركي العادي في تلك الأوقات. وكان التحذير من تناول البيض على أساس منطقي، لكن غير صحيح، وهو افتراض أن كولسترول الطعام سيُترجم مباشرة إلى كولسترول في الدم.
ولكن معاناة البيض الذي كان ينظر اليه بنوع من الشفقة ربما انتهت، ففي عام 2000، خففت رابطة القلب الأميركية من حدة لهجة حديثها عن البيض. وبدلاً من النصح على وجه الخصوص بتجنب البيض أو الاقتصار على عدد معين منه للتناول في كل أسبوع، فإن إرشادات التغذية للرابطة ركزت حديثها على تقليل الأطعمة ذات المحتوى العالي من الدهون المشبعة والإبقاء على نصيحتها بأن 300 مليغرام أعلى حد لكمية الكولسترول المتناولة يومياً. وأضافت الرابطة معلومة للناس بأنه بالإمكان تحقيق هذا الهدف والالتزام به حتى لو تناول الإنسان من آن لآخر البيض أو القشريات البحرية كالروبيان.
ورابطتا القلب في كندا وأستراليا ذهبتا أبعد من ذلك، إذْ ان كلتيهما وضعت البيض ضمن تعريف الأطعمة التي تتميز بأنها صحية ومناسبة للقلب. والتعريف هذا طريقة تُعنون بها الأطعمة أو أغلفتها كي تُساعد المستهلك أن يتنبه إلى ما هو صحي بين أنواع الأطعمة ويسهل بالتالي عليه انتقاؤه. لكن ما صدر من رابطة القلب الأميركية لا يزال لا يُضمن البيض فيها.
* الإنسان والبيض
* للأسف، لا تُوجه الإرشادات الطبية لتناسب كل الناس على حدة. وهي مشكلة حين الحديث عن كولسترول الغذاء على العموم، وفي البيض على وجه الخصوص. والغالبية العظمى من الناس لا تتأثر نسبة كولسترول الدم لديهم بكمية الكولسترول في الغذاء، بينما في قلة منهم يحصل مثل هذا التأثر.
ومن الصعب التأكد وإخبار الإنسان هل هو من الذين يتأثرون أو من الذين لا يتأثرون. هذا مع العلم أنه يُمكن ذلك عبر الامتناع عن البيض لمدة شهر أو نحو ذلك، وقياس نسبة كولسترول الدم آنذاك، ثم تناول بيضة يوميا لبضعة أسابيع وإعادة تحليل نسبة كولسترول الدم. لكنها طريقة شاقة للكثيرين من الناس أن يتبعوها، خاصة الذين لديهم نسب طبيعية للكولسترول الكلي والكولسترول الخفيف الضار.
وإن كنت ممن يستمتعون بتناول البيض، فإن تناول بيضة يومياً سلوك لا غبار عليه، خصوصاً حين مراعاة تعويض ذلك من عدة جوانب:
ـ إبعاد «ممثلين سيئين آخرين عن خشبة المسرح»، عبر التقليل الشديد لكميات الدهون المشبعة والمتحولة في الوجبات الغذائية، مما يُفيد بدرجة واضحة وإيجابية في نسبة كولسترول الدم.
ـ الالتفاف على الأمر. لو كانت بيضة واحدة يومياً لا تُشبع رغبتك في طبق البيض المقلي أو الأومليت بالخضار، فتناول بيضتين في يوم، وتحاشى تناوله في اليوم التالي.
ـ امسك دفة الامور.. عبر تحليل الكولسترول بعد شهرين أو ثلاثة، ومعرفة مدى تأثر نسبته بتناول البيض.
ـ لا تتناول الصفار. كل الكولسترول في البيض هو في الصفار. ولو أعددت طبقاً من الأومليت للبيض المخفوق، فضع بيضة كاملة وبيضة أخرى دون صفارها. اما في الحلويات المخبوزة، فيمكنك وضع بياض لبيضتين بدلاً من بيضة كاملة بصفارها. ومعظم حوانيت المواد الغذائية تحتوي على ما هو مُعد ببياض البيض.
والسؤال، هل تحتاج البيض في وجبتك الغذائية؟ والجواب ليس بالضرورة، فيُمكنك العيش من دون تناوله. لكنه مصدر غذائي ممتاز للبروتين وغيره من العناصر الغذائية الصحية، الذي يُمكن إعداد أطباق منه بسهولة ويسهل تناوله ومضغه ولا يُكلف الكثير من المال.
وبرغم أن الأبحاث الحديثة حول البيض لا تُعطينا الضوء الأخضر لتناول ثلاث بيضات يومياً من الأومليت مع النقانق، لكن وبلا أدنى شك فإن البيض أفضل من الفطائر والمعجنات المقلية في الزيت، والحبوب السكرية، أو الوجبات الخفيفة بالزبدة والسمن الشحوم المشبعة.
*خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز ـ كلية هارفارد